هبط الليل عالم آردن ميلر كالاخرين خلال الخمسة أشهر الماضية منذ ان إنتقلت من مكاتب ماك كين فلنت إميرسون في نيويرك الى فرع الشركة الجديد في كوستاريكا.
مضت فترة الثماني ساعات في عملها كسكرتيرة تنفيذية للسيد إدغار لينغو , تمنت له مساءً سعيداً. ثم قادت سيارتها ال(فورد) مخصصة من الشركة لتنفلاتها , الأميال الفاصلة عن الفندق حيث حجزت لها الشركة لتنقلاتها ولغيرها غرفا فيه.
حياها موظف الإستقبال بسرور
_”مساء الخير سيدتي, الطباخ يقول لك بأنه اعد سمكا لذيذا للعشاء”
_”بالطبع سيكون كذلك, ولكنني أفضل شطيرة دجاج أتناولها في غرفتي , أتسمح بأن تخبر أليخاندرو بأن يوصلها الى غرفتي بعد حوالي الساعة؟”
_”مع قهوة مثلجة , أليس كذلك؟”
_؟ارجوك.”
_”بالطبع سيدتي.هذا من دواعي سروري”
فكرت آردن كل هذا من دواعي سرورها, لم تشعر من قبل بكل هذا الاهتمام وهذه الرعاية وكأنها في منزلها في الاشهر الاخيرة, ولكنها لم تقل هذا الكلام بالطبع مثل هذه الإعترافات شخصية جدا ولا تتناسب مع شكلها العملي , فبدل ان تتكلم إبتسمت له وأمسكت بالرسائل الخاصة بها وسارت نحو المصعد,ضغطت الزر وبدأت تنظر الى الرسائل في يدها.
كانت هناك نشرات دعائية لماكي تحدثها على ان تشتري في العروضات وتستفيد من التخفيضات ورسالة من مرشح يطلب منها التصويت له, فتبسمت لكون البريد يلاحقها حتى الى هنا على بعد الاف الأميال.
الرسالة الثالثة كانت من والدتها ففتحتها بشوق ,إفلين تقول بأنها سعيدة بعملها كمدبرة منزل لعائلة كارسون على تلة غرينفيلد , هل تعرفهم أردن؟ بالطبع, لديهم ولدان مغروران.
نظرت الى الصفحة التالية ,هناك اخبار جيدة عن إيما سيمس كما قالت والدتها , لقد انهت دراستها في معهد التجميل وهي غارقة في الحب مع ابن (آل إيفانس) الذي كان يعمل لدى(دستري للصيانة) وقد قررا الزواج في شهر فبراير وسيقضيان شهر العسل في(ديزني لاند) وتان ريتشارد حامل بطفلها الثالث وتعمل خلال عطل نهاية الأسبوع لكي تتمكن وزوجها من شراء منزل.
هزت آردن راسها , بعض الأشياء لا تتغير , لا حتى التوقعات عن بعض الناس . إنها تحب امها كثيرا , ولكن كيف تعمل إيفلين سعيدة كخادمة لأغنياء كان ابعد من ان تستوعبه.
ولكن بالنسبة لآردن السعادة كانت تعني ان تؤسس لنفسها عمل, يجب ان يكون للانسان هدف في الحية وكل ما كان بعيدا كان ذلك افضل.
اما بالنسبة للوقوع في الحب والزواج ,(حسنا هذه تفاهات صنعت لعناوين الأغاني , وليس لها مكان…….)
_”سيدتي؟”
رفعت راسها بسرعة لقد وصل المصعد, والباب مفتوح ورأت رجلا ينتظر في زاويته يراقبها , وعلى وجهه إبتسامة ثقيلة.
سألها
_”هل تنتظرين احدا؟”
فدخلت المصعد, هل يظن بأنها من الممكن ان تعجب بشخص مثله ؟ ربما كذلك عليه ان يعلم بأن هناك نساء ,العديد منهن , اللواتي ينظرن الى امثاله ويعجبن بهم, كان طويلا , عريض المنكبين ممشوق القوام وله وجه إسباني وسيم.
اي إمرأة ساذجة يمكن ان ترى ما هو خلف هذا المظهر,رأت آردن العديد من الرجال امثاله منذ ان وصلت الى سان جوزيه انواع الرجال الذين يأتون الى اميركا الوسطى من جميع الاماكن يحملون جواز سفر وجيوبهم فارغة يطلق عليهم بعض الناس هنا لقب المغامرين,واين المنطق بإدعاء الرومانسية لإخفاء الحقيقة؟إنه مدعي وماكر ورجل لا يخطط لأبعد من الغد ويجني من المال ما يكفي ليوم واحد.
لا اعلن كيف تدبر امره ليبيت هذه الليلة في الفندق
_”ماذا يجري سيدتي؟”
_”ليس من شأنك”
_”آه, انت من اميركا الشمالية , ولست من بورتيوريكو.”
_”هذا صحيح, لست من بورتوريكو,وانا لست مهمتة”
_”مهتمة ,نعم, لكنك لم تفهمي قصدي,لا أمانع بالإنتظار فأنت تستحقينه,سيدة جميلة مثلك تستحق ذلك, كل ما في الآمر سبب إختراع المصعد هو للصعود ,وهذا المصعد لم يتحرك لمدة خمس دقائق كالمة.”
لقد تبادل الأدوار معها , لقد جعلت منه تافها متطفلا وها هو يرد عليها بلطافة.
قالت بإبتسامة بادة
_”آسفة”
دخلت المصعد وأدارت ظهرها له, اغلق الباب وبدأ المصعد بالصعود فأحست به هذه الليلة بطيئا على غير عادته وكأنه يتطلب دهرا ليصل الى الطابق الثالث , احست بنظرات الرجل على ظهرها وكأنها تحرقه محدثة حفرة.
_”هل وصلت حديثا الى كوستريكا؟”
نظرت آردن الى السقف , ثم نظرت الى الباب وكأنها تنتظر رسالة مكتوب عليه.
_”لو كنت كذلك سأكون سعيدا بأن…”
يا للهول انه مصر, قالت بصوت بارد
_”شكرا , ولكني مشغولة.”
_”سأشتري لك شرابا وأخبرك بعض….”
إستدارت نحوه وبصوت جاف قالت
_”قلت إني مشغولة.”
_”هناك حفل إستقبال هذه الليلة قرب حوض السباحة فقط إمنحني نصف ساعة كي استحم وأبدل ثيابي “
ثم وضع يده على لحيته وتابع
_”ولكي احلق بالطبع, كنت في الريف لأيام و…..”
احمرت وجنتيها خجلا فوضعت إصبعها على زر الطابق الثالث وبدأت ضغط عدة مرات بعصبية,
_”انت تضيع وقتك . انا متأكدة بأن هذه البلاد تحوي العديد من النساء اللواتي يستمتعن بمثل هذه الروايات , ولكني لست واحدة منهن.”
_”الا تستهويك روايات الادغال؟”
قالت
_”ان كان هذا ما تعنيه “
ونظرت اليه نظرة تدل على عدم الإهتمام وأضافت
_”وهل تظنني عاطلة عن العمل , الجواب لا , لست كذلك.”
كلامها الجارح ادى الى النتيجة المطلوبة ,ضاقت عيناه والوجه الباسم الوسيم تجهم.
_”انت صادقة سيدتي”
_”نعم قيل لي ذلك مرارا”
توقف المصعد اخيرا,خرجت بسرعة الى الممر, سمعت وقع اقدام تتبعها ,ثارت أعصاب آردن كم انه ملحاح,لا يطاق, أخذت نفسا عميقا واستدارت لتواجهه ,قالت
_”اسمع ان كنت تظن”
وسكتت فجأة , الغريب لم يكن يتبعها,بل كان يفتح باب غرفته, رفع بصره ,كانت عيناه باردتين كعيون هرة الأدغال , وتلاقت نظراتهما.
_”سيدتي هذا ليس لطفا منك.”
فغرت آردن فاها, ارادت ان تستدرك الآمر ولكنها لم تستطع,فأخفضت راسها وأستدارت ومشت نحو غرفتها وحين دخلتها اغلقت الباب بعصبية, مشت بخطوات ثقيلة في غرفة الجلوس متجهة نحو غرفة النوم ورمت المفاتيح على الطاولة, ثم ارتمت جالسة على كرسي , ما من داع لأن تسبب هذه الحادثة , اي إزعاج لها كان يومها طويلا شاقا وكانت تحلم بالعودة الى غرفتها للإسترخاء مساء , وبالطبع لن تسمح لهكذا متطفل بالتحرش بها.
خلعت حذاءها وتمددت وبدأت تقلب الرسائل المتبقية في يدها.
“الرسالة التالية” كانت من الفندق, تذكر المقيمين في الفندق بالحفل الذي سيقام عند حوض السباحة, وبدأت تكمل خلع ملابسها وهي تفكر لا بد وان متطفل المصعد سيكون هناك ولكنها لن تكون, وبدأت تفكر وهي تكمل خلع ملابسها لم تكن يوما تحب الحفلات, كانت تتخيل دائما بأن الناس يشيرون اليها بالأصابع سائيلين من دعى تلك الفتاة؟
رفع شعرها الأسود ودخلت الحمام لتستحم , حين تمضي عمر المراهقة وانت تقدم المقبلات والشراب لناس تراهم كل يوم سينتهي بك الآمر بسهولة الى التصرف تجاه الحفلات بطريقة مختلفة.
قالت لنفسها :إنها طريقة سهلة لكسب المال, لطالما قالت لها والدتها هذا الكلام, حين كانت على آردن للخدمة خلال عطل الاسبوع في منزل آل بوت حيث كانت تعمل كخادمة , ولم تكن آردن لتجرحها بأي جدال, ولكن الحقيقة كانت بأنها طريقة رهيبة لكسب المال ,إرتداء الملابس السوداء ذات الياقة البيضاء وعدم التظاهر بأي ردة فعل حين ينظر اليها رفاق المدرسة بطريقة وكأنهم لا يعرفونها ولم يروها من قبل.
بدأت تتذكر حين ذهبت الى احدى تلك الحفلات في فندق وآلح عليها رئيسها بالحضور لعدة أسابيع ,قال السيد ليثغو
_”إنه عمل إجتماعي انسة ميلر, انا لا استمتع ايضا بهكذا سخافات , ولكن مكتب نييورك أصر على حضورنا جميعا لتدعيم الصداقات مع الشعب الكوستاريكي,”
وهكذا بعد تردد واضح وافقت مرة اخرى على حضور الحفل , ولكنها كانت غير مندمجة اكثر من اي مرة اخرى, كانت تقف وسط اناس يستمتعون بعطلهم وهي مرتدية البذلة الرمادية متظاهرة بالرضى. في الواقع, كانت آردن وهي تستذكر الأحداث تشعر بالإشمئزاز لانها جعلت من نفسها سخرية حين تقدم نحوها حاملا كوبين من الشراب.
_”لا شكرا ,سيدي”
_”لا تتصرفي بسلبية آنسة ميلر,إنه عصير فواكهة”
أخذت العصير وابتلعت رشفة منه فقط للمجاملة, كان لا باس به نوع من الفواكهة بارد ولذيذ, ولكن لا بد من وجود كحول بداخله لأنه اتجه مباشرة نحو رأسها وذلك لأنها بعد لحظات تخيلت بأن السيد ليثغو ينظر اليها بإعجاب من خلف نظارته وظنت بأنه يقترب منها اكثر من اللازم.
ولكن الأسوأ من ذلك حصل حين احست بأن يده على وركها , إلى الآن مما تزال آردن تشعر بالإشمئزاز حين تتذكر اللحظة, قالت حينها بصوت عال مسموع.
_”سيد ليثغو؟”
امسك بيدها وسحبها نحو حوض السباحة وطلب منها الإنسحاب قبل ان تصبح سخرية الجميع, وهرعت الى غرفتها نادمة إذ إنها قبلت الإنتقال الى هنا ليس فقط من اجل زيادة الراتب, بل ايضا لأن رئيسها انسان مهذب غني ولا يتسبب باي اذى لمن حوله فهو زوج وأب لخمسة أطفال إضافة الى ذلك إسمه مسجل لدى العديد من الجمعيات الخيرية كأحد أبرز فاعلي الخير لديها.
خرجت آردن من الحمام ولفت جسمها بمنشفة وهي ما زالت تفكر بالسيد ليثغو وبدأت تسرح شعرها.
سمعت الباب يدق . هل مرت ساعة على وجودها بالغرفة ؟ لا يهم ستأكل وهي نرتدية مئزر الحمام قالت بدون ان تنتظر
_”مساء الخير اليخاندرو”ثم نظرت والدهشة تمتلكها.
كان إدغار ليثغو من يقف على الباب , وليس خادم الغرف.
الفصل الثاني